2009-01-12 - فيلم »الوعد«.. والهروب بالرمز من سياط المجتمع الكلمة كانت وستبقي أجنحة الحقيقة والخنجر الذي يشهره المبدع في وجه الأنظمة المستبدة ومع البطش الذي يتعرض له أصحاب الكلمة لعب الرمز دورا كبيرا في التعبير عن أفكار المبدعين وترويجها بشكل غير مباشر معتمدا علي القاعدة التي تؤكد أن السلطة دائما عمياء ولكن في الوقت الحاضر أصبحنا نمتلك حرية الصراخ التي تعطينا الحق في نقد النظام والتعبير عن آرائنا وأفكارنا بحرية محسوبة تسير ضمن خطة النظام للتظاهر بديمقراطية زائفة وهذا لم يمنع بعض المبدعين من استغلال هذا الهامش الزائف لتقديم أعمال توجه نقدا مباشرا للنظام مما جعل المناخ شبه مناسب لقتل الرمز في السينما والتعبير عن المجتمع كما هو، إلا أن المبدع ما زال يتخفي خلف ستار الرموز والإسقاطات لا خوفا من النظام لكن خوفا من المجتمع وردود الفعل علي ما يقدمه المبدع من أعمال تناقش قضايا تتعلق بالموروث المجتمعي أو الديني خاصة أن المجتمع يسير بخطي سريعة نحو الانغلاق والتطرف. ورغم تصنيف سينما وحيد حامد علي أنها سينما سياسية إلا أن أعماله تستلهم الإنسان وتعتمد علي أزماته كمحرك أساسي للدراما التي يقدمها سواء كانت الأزمة سياسية أو اجتماعية، وفي فيلم "الوعد" يلجأ وحيد حامد للرمز خوفا من سياط المجتمع، حيث تتجلي معاناة الإنسان المعاصر التي تلعب علي أوتارها شخصيات العمل وتتقاسم التعبير عن أجزاء من هذه المعاناة التي تتعلق بالاختيار ومواجهة القدر وهو المضمون الذي يطرحه الفيلم في إطار حكاية تبدأ في أجواء تشبه الحلم وتتعامل مع مشاعر وأحاسيس الإنسان في توصيف لطبيعة المعاناة النفسية التي يعيشها المثقف المعاصر كما يراه المؤلف، ويسير الجزء الأول من الفيلم بنعومة تعبر عن حالة وجودية مجردة قبل أن ينتقل لمرحلة تحدي آسر ياسين أو "عادل" لقدره ومحاولة تغييره في مواجهته مع "السحراوي" الذي جسد شخصيته الفنان غسان مسعود، وهي الشخصية الغامضة التي تحرك الجميع وتعرف كل الأسرار وتمارس سطوتها ونفوذها علي الإنسان أو أبطال العمل، وقد تكون فلسفية أفكار وحيد حامد مثيرة للجدل ولكنها تدور في أذهاننا جميعا وعبر عنها المخرج محمد ياسين ببراعة ملتزما بالحفاظ علي طرح مختلف يلقي به النص السينمائي عبر أحداثه، ولا يمكن إغفال ميل الفيلم للتأكيد علي اشتراك المسلمين والمسيحيين في نفس المعاناة وبراعة وحيد حامد في طرح العلاقة بينهما بشكل غير مباشر يعتمد علي طبيعة الشخصيات والفروق الفردية التي حملت القضية إلي ملعب الكوميديا بدون ابتذال أو إثقال القضية بأكثر مما تحتمل من شعارات ورغم تميز محمد ياسين يأتي الفيلم مختلفا بالنسبة له ويؤكد علي موهبته ورؤيته المتحققة كمخرج، ولكن مشاهد الحركة التي امتلأ بها الجزء الثاني من الفيلم لم تكن موفقة، وبدا معظمها معتمدا علي إقامة معركة أو معارك مشوقة أضفت حالة عبثية علي الصراع الأزلي الذي يعبر الفيلم عنه، فلم تعبر هذه المشاهد بشكل جيد عن ارتباك الشخصية وضعفها في مواجهة قوة قدرية لا محدودة والتي حسمت لصالح البطل قبل أن يعيدنا الفيلم الي البداية في دائرية أخاذة مع ظهور أحمد فهمي في مشهد قوي لم ينطق فيه بكلمة ولكنه عبر عن استمرار الصراع بين الإنسان وقدره بشكل جيد يدل علي فهم كبير لما يحمله هذا المشهد من تأثير يعيدنا إلي الإيقاع التأملي الذي بدأ به الفيلم قبل أن ينتهي تاركا كلاً منا ينسج نهايته حسب قناعاته الشخصية.. ديكورات رامي دراج كانت من أهم عناصر الفيلم وتناغمت معها موسيقي تامر كروان. وبالنسبه للأداء التمثيلي، يؤكد الفنان محمود ياسين ريادته لانتفاضة الكبار بعد مشاركته في فيلم "الجزيرة" ثم "الوعد" الذي قدم من خلاله شخصية معقدة نسجت بإتقان علي مستوي التفاصيل والأداء والغريب أن الشخصية التي قدمها في "الوعد" تتفق مع شخصيته في فيلم "الجزيرة" في بعض المكونات مع اختلاف نظرة كلتا الشخصيتين لمصيرهما بعد الموت وقد تكون مشاركة غسان مسعود في هذا العمل غريبة لأنه قدم أداءً عاديا وتطلبت لهجته عمل دوبلاج أثر علي مصداقيته، بينما يعتبر آسر ياسين الحصان الأسود لسينما 2008 بما يملكه من إمكانيات كبيرة ظهرت في عمله علي عدد من الشخصيات الصعبة في أفلامه السابقة ولكنه في "الوعد" يقدم أداءً بسيطا يؤكد تمكنه من إدارة الشخصية والتحكم في انفعالاتها الدقيقة والصعبة لأنها تعبر عن هم داخلي لا يمكن الشعور به من خلال الحوار فقط، ليؤكد آسر ياسين أنه حجز مقعده في قطار النجومية كممثل محترف، كما تقدم روبي شخصية لها بعد إنساني كبير والغريب أننا اقتربنا من منح روبي لقب ممثلة مع بعض الملاحظات القليلة التي يمكن تجاوزها مع الجهد الواضح للمخرج محمد ياسين في إدارتها مقارنة بالأدوار التي قدمتها من قبل، أما أحمد عزمي فقدم شخصية "جرجس" بشكل يختلف من زاوية الأداء ويسهم في إضفاء حساسية تلمسها المشاهد مع سعيه لدخول منطقة جديدة من الأداء الراقي وهو ما يؤكد موهبة عزمي وتفرده في مغامرته المحسوبة مع "الوعد" وقد يكون هذا الدور هو البطولة الحقيقية لأحمد عزمي في 2008 بعيدا عن »قبلات مسروقة«. مـحـمد شــكـر
|
0 comments:
Post a Comment
ارجو من الاخوه ان يتكرمو وابداء الراى واكون شاكرا للمقترحاتكم البنائه لتقديم ما هو افضل
وشكراااااااااا